Ads 468x60px

مقال ’’ عشاق المؤخرات الفكرية ’’ لهشام الدراز

hicham derraz مدونة شطاري أخبار اليوم مقال عشاق المؤخرات الفكرية لهشام الدراز


بخطى ثابتة يتقدم العالم . يرصد اختلالاته بمنهجية . وبطريقة علمية يحاول التغلب عليها . صحيح , الأمور في الغرب والصين وروسيا أبعد ما تكون عن اللون الوردي , لكن موجود نوع من الحد الأدنى , من ثقة مكونات المجتمع بعضها ببعض , في انتظار أيام أفضل.بينما نحن هنا لا نزال مؤمنين بسياسة رقع , أوفياء لها , ومتشبتين أشد التشبت .سياسة رقع , أو الحل الأسهل , أو الحل الأقل تكلفة بنية فكرية , -إن جاز تسميتها بالفكرية- , تبسيطية للأشياء , تجهيلية , وتعتمد دغدغة الجمهور الذي هو بالمقابل يتكلف بالتصفيق الحار , للمرقع الذي يقدم نفسه على أنه مصلح متخصص في كل المجالات , من البيولوجيا إلى الفزياء الكمية , مرورا بالفلسفة والدين والاقتصاد والاجتماع والإعلام .سياسة الحل الأسهل لا زالت تنطلي على جمهورنا العاطفي المعتمد على المشاعر , الهارب هروب الجبناء من قسوة النقد , وقسوة العقل وقسوة التحليل المنطقي .سياسة الحل الأقل تكلفة معتمدة , محبوبة , بل ومعشوقة سواء ممن يقدم نفسه كنخبة من المفترض أن يكون دورها هو جعل المجتمع يقف مع ذاته , يشخص داءه , ويعالجه .معشوقة أيضا من الجمهور الذي يفترض أن فيه أناسا حكماء , عقلاء ورصينين , بأعداد ليست بالهينة . كما يفترض فيه أن يطعم هذه النخبة وأن يحميها من نفسها , كدورين من بين أدوار أخرى كثيرة .سياسة رقع , تفترض أنه بالإمكاننا عدم تجشم عناء التخلص من الآليات والأجهزة والطرق القديمة واعتماد الحديث منها , مع توقع أن تبقى هذه الآليات والأجهزة والطرق بنفس فاعليتها في اليوم الأول , عندما كانت جديدة . لا بل ونتوقع منها أن تنافس آليات وأجهزة وطرقا تم ابتكارها في اللحظة الراهنة .سياسة الحل الأسهل تفترض أن نترك الجرح والقيح والعفن وأن لا نفعل أكثر من لفه بخرقة في الغالب هي نفسها مرتع للبكتيريا والميكروبات والجراثيم . عوض التخدير , والفتح وإخراج العفن , ثم التطهير فالغرز , والحماية بضمادة نقية طبية معقمة .سياسة الحل الأقل تكلفة , تريد أن تقنعنا أن الطفل الذي بلل سرواله بالبول ليس عليه سوى أن يتأقلم مع الرائحة الكريهة , وأن نتأقلم نحن أيضا معها . أن نتجاهلها ,أن نتعامل معها كما لو أنها غير كائنة . ظنا منا أننا إن اعتدناها ولم تعد تظعجنا , فالعالم كله سيكف عن ملاحظتها . بينما العالم كله ملاحظ لها , مدرك , يتقزز .وهلم جرا , جرا كثيرا في كل الميادين . "فلسفة " واحدة معتمدة , تفترض أن الحل في جملة , في شعار أو في جرة قلم . والجمهور الذي , -على قلته- , قادر على القراءة والكتابة واستعمال الوسائط الرقمية , والذي يفترض فيه الفهم النظري , والوعي الظاهر في السلوك , فالتعميم والنشر وإقناع الآخرين . هذا الجمهور لا يمارس لا نقدا , ولا تحليلا , ولا مقارنات موضوعية . بل إنه يقبل على نفسه أن تدغدغ مشاعره بكلمات سخيفة من قبيل "نحن أفضل من الآخرين " , أو "نحن طاهرون والآخرون نجسون" , أو "مفاهيمنا هي التحضر ومفاهيم الآخرين هي التخلف الحقيقي حتى إن أنتجوا كل ما نستهلك ووصلوا آخر المجرة , وشطروا الذرة , هم متخلفون ونحن التقدم " . يقبل الدغدغة , وبالمقابل يرسل رسائل إعجاب ب"المثقف" المرقع أو "السياسي". والمصيبة العظمى والطامة والكارثة , هو عندما يرتفع من حين لآخر صوت عقل . تحليلي , نقدي , بارد , صارم , صريح , وموضوعي , كان يفترض فينا في غابة العاطفية التي نعيشها أن نحتفي به ونرحب وننصت . عندما يرتفع صوت كهذا بطريقة أو بأخرى , بوسيلة أو بأخرى , بتبرير أو بآخر نقمعه ,نخرسه ونسكته .كي تستمر السياسة البهية لإخفاء الأزبال تحت السجاد .كي تستمر السياسة العبقرية المعتمدة على البحث عن الحلول السهلة في ماض سحيق .لتستمر الروعة الفكرية المتمثلة في أننا نحن العرب والمسلمون سيأتي شيء ما , عامل ما , لطف ما وينقذنا في آخر لحظة , لأننا الأفضل , لأننا الأطهر , لأننا الأكثر رومانسية .هل هذه دعوة لتحقير الذات ؟أبدا , كلا , ولا . بل هذه دعوة لتقييم الذات تقييما موضوعيا . وخصوصا , خصوصا عدم تضخيمها , أو جعل منها محورا , فلسنا محور العالم منذ أكثر من خمسمائة عام على الأقل . الأصوات المقموعة لا تلقى تضامنا , من قبيل "دعونا نسمع منه" أو " دعوه يعبر " أو " لنرى ما عنده" . ففي الغالب الجمهور الذي تربى على العاطفية وتعطيل العقل , لا يكتفي بعدم التضامن بل يساهم في القمع بأفكار قاتلة من قبيل " مندس" , "فاقد للهوية " , "خائن" . مصطلحات تجريح ليس إلا .ليستمر المشي الجماعي نحو الهاوية .ليستمر التخدير المتبادل بين الجمهور وقادته .ليستمر الشيء الذي لو كان سينفع , لنفع آباءنا , أجدادنا والسابقين .